الخميس، 21 مايو 2015

الحلم الأول

- " سيادته عايزك ضروري جداً .. "
هرع مسرعاً نحو المكتب ووقف يتيقن من هندامه قبل أن يطرق الباب ويفتحه ببطء دالفاً إلى الحجرة ...
- " تحت أمر معاليك "
 - " جهّزتوا الاجتماع بتاع بكرة خلاص ؟ "
- " كل حاجة تمام معاليك "
- " مش عايز مفاجأت يا (....) .. فاهمني طبعاً "
- " معاليك كل حاجة تحت السيطرة والاجتماع لابد منه علشان ما يتقالش اننا ضدهم .. تاني حاجة معاليك فيه أمور كده بتحصل لازم تخلينا ناخدهم في صفنا "
- " تمام .. تمام .. لما نشوف "
**********
أبدو كعمود إضاءة داخل حُلّة سوداء ..
الآن فقط قد تأكدت من أن الملابس الرسمية لا تناسبني وأبدو فيها كالمهرجين ولكن الأمر حتمي ..
" درررين .. درررين   "
منذ أن أعلنت على صفحتي الشخصية بالفيس بوك عن استلامي دعوة حضور لذلك الاجتماع وقراري بالموافقة على حضوره والتعليقات على ذلك المنشور تنهال كالأمطار ..
(علّق Hisham Anwar  على حالة الخاصة بك)
" بلاش تبرير .. انتا بعت القضية خلاص يا صديقي .. الله يرحمك يا مبادئ "
(أشار محمود دهموش إليك في منشور)
" مش النخبة المحسوبة على الثورة هي بس اللي بتقعد مع النظام .. لأ اللي كانوا بينتقدومهم رايحين يقعدوا معاه .. #ملعون_أبوكم_انتو_الاتنين "
(علّقت إيمي محمد على حالة الخاصة بك)
 " هو يقدر يروح يقول له يسقط حكم العسكر ؟ لو قدر يبقا هنحترمه غير كده يبقا خليه في بيته أحسن  "
(تم التعليق على حالة المشار إليك فيها من قبل Awaan El ward )
" شوف بقا أشتروه بكام .. يبقا يعمل فيها ثوري تاني "
هل موافقتي على حضور الاجتماع هي خيانة كما يقولون ؟ هل تسرعت في الموافقة ؟
حاولت كثيراً أن أوضح أنه لا مانع من تقديم اقتراحات ومطالب الشباب ليس كنائباً عنهم ولكن كواحدٍ منهم طالما لم أذهب لأقدم فروض الطاعة والولاء ..
الغريب أنهإذا ما صرخنا وتظاهرنا قيل لنا : " بدل ما أنتو شغاليين نقد لو عندكم حلول قدموها " ، فكيف يكون ما قررت أن أفعله هو خيانة ؟
مغرقا في الأفكار استكملت ارتداء ملابسي منتظراً مكالمة من سائق السيارة الذي سيصطحبني إلى الاجتماع مزيحاً وساوس الهروب من ذهني ..
لابد من الحضور .. لابد ..
*********************
جو غريب لم أعهده من قبل مصورين وكاميرات وميكروفانات كلها تتجه نحو بؤرة الاجتماع ..
نفس الابتسامة والهدوء .. كما يبدو في الاعلام .. كما يبدو في الصور ..
عيناه لم تفارق الكاميرات وهو يوزع تعبيرات الاهتمام على عدساتها ، وبعد دقائق من الصمت بدأ في الحديث ..
" إحنا .. النهاردة .. هنا .. في الاجتماع ده .. جايين .. نوحّد جهودنا عشان البلد .. مصر .. عشان البلد دي عظيمة .. فعلاً .. فعلاً بلد عظيمة ..
لازم .. ننسى خلافاتنا .. ننساها كلها .. كلها .. ونحط أدينا فأيد بعض .. "
هل وجودي هنا هو الصواب بعينه أم هو الغباء بعينه ؟ وهل سيكون لما سأقوله مردود من الأساس أم سيكون مجرد كلمات تتلاشى في الهواء ؟
" أنا فاكر وأنا شاب .. كنت.. بقول دايماً لزمايلي .. احنا اللي بأدينا نعلّي البلد دي ..صحيح .. أحنا مش حد تاني ..
أنتو أمل بكرة .. علشان كده .. جمعتكم .. وأنا عارف ان بينا شيء مشترك .. حب الوطن .. "
لم أستطع أن أمنع نفسي من تأمل الوجوه الحاضرة ، منها وجوه إعلامية معارضة أظن إنها لم تواجه كم الانتقادات على حضورها كتلك التي تلقيتها أنا الشاب المغمور ..
" في الواقع .. إن اختلافنا رحمة .. صحيح .. رحمة .. ولكن اتفاقنا أهم .. وهو مصلحة الوطن .. مصلحة مصر "
كان كل فرد منا قد أبلغ منسقي الاجتماع بالاقتراحات والمطالب التي سيقدمها منعاً من ان يكون هناك تكرار للطرح ، وتم توزيعنا على المقاعد حسب أدوار كلا منا ..وكانت أنا أول المتحدثين ترتيبا ً ..
" أنا .. خلّصت كلامي .. وجه دوركم في الكلام .. وهحاول أني أفضل مستمع ليكم .. عشان .. الاجتماع ده بتاعكم انتم .. فهطلب .. من السادة الصحفيين مغادرة القاعة علشان نتكلم براحتنا .. تتكلموا براحتكم .. لأني زيّ ما قولت .. ده اجتماعكم أنتم .. "
أشار أحد الأشخاص إلى المصورين والصحفيين إلى باب القاعة وسادت الهمهمة لبعض دقائق حتى خلت القاعة ..
" نرجو من السادة الحضور الالتزام بالوقت المحدد لكل منهم ونرجو أن يراعى في  الموضوعات المطروحة الموضوعية .. الأدوار هتبتدي من أول الجالسين من هنا "
 وأشار إلىّ ..
ارتعشت قدمي وشعرت بالهواء يتلاشى من صدري وحاولت أن أسيطر على الورقة التي دونت فيها أفكاري وهي تحاول أن تهرب من يدي ..
" بسم الله الرحمن الرحيم .. هبدأ كلامي بسؤال .. هو ليه بندعو لحرية التعبيرعن الرأي والعمل السياسي طالما بنعتقل من يمارسهما ؟ سواء كان الحكم اللي صدر ضدهم بيتعلق مباشرة بالتعبير عن الرأي أو العمل السياسي أو سواء كان مابيتعلقش بيهم فالمحصلة واحدة وهي إن السجون مليانة بشباب ذو توجهات سياسية ..
عايزين ننظم التظاهر ؟ .. مافيش مشكلة نعمل قانون محترم للتنظيم ، بس لو كان الهدف من القانون ده استخدامه كأداة لمنع الصداع اللي بيسببه النشطاء فده كلام تاني ..
سيادتك .. الكراهية بتزيد لأن الأحكام والاعتقالات معناها هو إشهار العداء للمنتمين للثورة .. كنا شاكين إن فيه عداء مع أول قضية ودلوقتي متأكدين فعلا من وجوده ، وتحقيق العدل لا يتم بتغيير وزير للعدل ولكن بتصحيح مفهوم العدل ذات نفسه ورفض تسييس الأحكام لتناسب التوجهات الرافضة للأشخاص محل الإتهام ..
فلو الاجتماع النهاردة الهدف منه الاستفادة بأفكار الشباب فالأولى أننا نسأل اللي في السجون عن أفكارهم وأؤكدلك أنك هتلاقي إقتراحات ما تقلّش أهمية عن اللي احنا هنطرحه هنا ، فأزاي هنفيد ونستفيد من الشباب وهما في السجون أو في القبور ؟ .. شكراً لسعة صدر سيادتك .. "
لا أعلم لماذا شعرت بتوقف الزمن عندما انتهيت من حديثي ولكني – ولأول مرة في حياتي – شعرت بالارتياح وكأن ألف روح تلبستني وأخرجت الكلمات من حلقي ..
لم أهتم بردة فعله على ما قلته ولا أتذكر تعبيرات وجهه أثناء حديثي .. وصدقوني .. لا أهتم ، فلقد أخرجت ما بصدري ولم أضع إعتباراً لشيء سوى لضميري ..
فليت قومي يعلمون بأن جلوسي هنا لم يكن خيانة وأن الخيانة هي أن أترك هذا المنبر لمن يتملقه ويعطيه صورة وردية عن شعورنا تجاهه ، وإن أتيحت لي الفرصة لكنت سأزيد من حديثي ولكني أتمنى أن يكون من الجالسين من يتحدث عن ما تبقى في قلبي ..
فلأتابع ما الذي ستقوله تلك الشابة التي تجلس بجواري ..

(انتظرونا في الحلم القادم)




هناك تعليق واحد:

  1. هستنى الحلم القادم يمكن يكون حلمى انا :D

    ردحذف